الأحد، ١٦ كانون الثاني ٢٠١١

رؤوف توفيق ناقدٌ، أم حارقٌ سينمائي

بالصدفة، وخلال تصفحي لمُحركات البحث، لفتَ انتباهي عنواناً غريباً، ومثيراً :
(رؤوف توفيق ناقدٌ سينمائي،أم حارقٌ سينمائي ).
وتخيلتُ بأنني سوف أقرأ قاذوراتٍ شبيهة بتلك التي يكتبها البعض انتقاماً من ناقدٍ، أو أكثر كشفوا سرقاتهم الأدبية.
ولكن، على العكس مما يُوحي العنوان، كانت المُفاجأة بأنها محادثة جادة، وثرية بين بعض هواة السينما، ومُحبيها في أحد المُنتديات، ولأننا، نقاد السينما، والعاملين في المجال النقديّ السينمائي، والثقافة السينمائية بشكلٍ عام، معنيّون بها مباشرةً، فقد تخيّرتُ إعادة نشرها في هذه المُدونة بدون الرجوع إلى أصحابها، لأنني لا أعرفهم، وهم يتحدثون بأسماء مستعارة، وهنا، أنتهزها فرصةً كي أعتذرَ منهم جميعاً، وبالآن ذاته، أشكرهم، وأعبّر عن احترامي الشخصيّ لأفكارهم، وآرائهم  حول النقد السينمائيّ، وبعض الأسماء المُشار إليها.
أُلفتُ الانتباه أيضاً، بأنني عمدتُ إلى تشذيبٍ لغويٍّ بسيط جداً، وإضافة أدوات التشكيل ما أُمكن.
ملاحظة : يعود تاريخ هذه المُناقشة إلى الشهر السابع من عام 2005
يُرجى من أصحابها الاتصال بنا على عنوان الإتحاد الدولي لنقاد السينما العرب

ص.س

رؤوف توفيق ناقدٌ، أم حارقٌ سينمائيّ
المصدر
موقع الدي في دي العربي - DVD4ARAB.MAKTOOB.COM

hippo
14-07-2005, 01:32 AM
رؤوف توفيق (1939) من أشهر من تولوا رئاسة تحرير مجلة "صباح الخير" القاهرية، ومعروف جداً فى الأوساط السينمائية كناقد سينمائي، وأخيراً تم تعيينه كرئيس لمهرجان الإسكندرية السينمائي، وبحكم موقعه كناقد، ورئيس تحرير فقد زار وشارك في العديد من المهرجانات العالمية، وأتيحت له الفرصة لحضور الكثير من الاحتفاليات الهامة، وأمكن له مشاهدة العديد من الأفلام العالمية الكبيرة، ومقابلة الكثير من نجوم الإخراج، والتمثيل على مستوى العالم.
و في الآونة الأخيرة نشرت معظم كتبه السينمائية في إطار مهرجان القراءة للجميع مما أتاح الفرصة للكثير من القراء الشباب قراءة كتبه، والتعرف عن طريقها على مجموعة من الأفلام الهامة، والرائعة في السينما الأوروبية.ومن هذه الكتب كتاب بعنوان "السينما عندما تقول لا"، وكتاب آخر بعنوان "السينما لا تزال تقول لا "، وهذان الكتابان يقدم فيهما الناقد صور، وأمثلة لسينما الرفض، أو السينما التي تعالج قضايا ترفض الواقع بأخطائه، وبالفعل قدم الناقد نماذج لأفلام جميلة لم نكن نعرفها سوى عن طريق كتبه، وأيضاً له كتاب عن السينما الرومانسية بعنوان سينما المشاعر الجميلة، وكتاب عن سينما المرأة بنفس الاسم، وهذه الكتب معظمها أصدرتها "مكتبة الأسرة" في إطار مهرجان القراءة للجميع كما أسلفت ...ولكن بعد هذا التقديم هل تقدم كتابات "رؤوف توفيق" صورة نقدية جيدة للفيلم ؟؟؟
ما حدث هو شيء بالغ الغرابة، فقد اكتشفت أن "رؤوف توفيق" في كل كتبه لا يقدم نقداً للفيلم، ولكنه يقوم بسرد قصة الفلم بالكامل بكل تفاصيله من أول مشهد حتى مشهد النهاية بل انه يصف مشهد النهاية بدقة شديدة ليكتشف القارئ بلغة مشاهدي السينما أن الرجل حرق الفيلم تماماً، وقد فوجئت، وأنا اقرأ كتابات الرجل أن الأفلام الجميلة التي عرفنا بها قد تم سرد قصتها بالكامل بحيث لم يعد من الضروري، أو بتعبير أدق، لم يعد من المجدي مشاهدة الفيلم الأصلي بعد أن حرقه "رؤوف توفيق"، وتعودت بعد ذلك أن اقرأ نصف مقال "رؤوف توفيق" حتى لا افقد متعة البحث عن الفيلم، ومشاهدته، ...
وهنا أتوقف لحظة لأتحدث عن قضية هامة جداً، وهي قضية النقد السينمائي، فهل النقد هو مجرد سرد قصة الفيلم كما فعل واحد من اكبر النقاد في مصر ؟ أم أن النقد هو البحث عن القيم الجمالية في الفيلم وإبرازها، وتعريف المشاهد بها حتى يستوعب رسالة الفيلم، ويصل إلى أقصي درجة ممكنة من الاستمتاع




اكستريم
14-07-2005, 04:56 PM
 بالطبع، النقد ليس سرد قصة الفيلم، أو حبكة الفيلم، بمعنى أصح، ما دام الناقد يحكى تتابع أحداث الفيلم، لأن قصة الفيلم تتطلب منه أن يعيد ترتيب الأزمنة الدرامية ـ القوية، والميتة ـ في الفيلم من أولها إلى آخرها، حتى فيما يسمى بالمراجعة النقدية (Review) لا يحكي الناقد الفيلم السينمائي، ولكن عندنا فكرة غريبة، وهى فكرة "حرق الفيلم"، إن معظم الممثلين، والمخرجين لدينا لا يحكون الفيلم لأنهم قد يحرقونه!!! على أساس أن المتفرج لا يدخل الفيلم إلا بحثاً عن حدوته مسلية، وهو ما يعكس انتفاء ثقافة الصورة السينمائية لدينا، إن هناك أفلام كثيرة تبدو في الظاهر أنها تحكى حكاية لطيفة ظريفة مسلية، ولكنها من الناحية البصرية ذات بناء سردي، وبصري يستحق التأمل، هناك مناهج نقدية سينمائية تسمى المقاربة الايقونية، .. وتقوم هذه المقاربة، أو هذا الشكل من التناول النقدي على دراسة اللقطة نفسها، واللقطات والبناء المونتاجي، وترتيب العناصر البصرية في الكادر السينمائي، .. أو ما يسمى بالتكوين الفيلمي .. وتقوم هذه النظرية على أن المخرج من حقه أن يدعي ما يشاء، ولكن الصور، واللقطات السينمائية تفضح المخرج، وتقول كل شئ عن المخرج، والنظام الذي أنتج هذا الفيلم، والمجتمع الذي شاهد هذا الفيلم؛ لأن الكاميرا أشبه ما تكون بأشعة اكس التي تخترق الجلد لتنير لنا ما وراءه، ومن هنا نعرف حقيقة رؤية المخرج، .. هذا الاتجاه ليس متوفراً لدينا مثل العديد من الاتجاهات النقدية الأخرى إلا في دراسات بسيطة سطحية، .. ولهذا لابد أن يقوم كل ناقد في مصر بسرد القصة مع "تقفيل" المقال "بكام كلمة" عن التصوير، والديكور، والمونتاج، والموسيقى بكلمة واحدة، .. رغم أن كل عنصر يستحق الوقوف أمامه .. ولكن تم تقليص المونتاج في الإيقاع .. والتصوير في الإضاءة الجيدة، أو الرديئة بدون أي معيار، .. وذلك يرجع لعدة أسباب .. أولها أن اغلب النقاد لدينا ليسوا نقاداً، .. بل كتاب صحفيين، والكتابة الصحفية لا ترتبط بالنقد السينمائي إلا في حالة المراجعة النقدية، وقد اكتسبت المراجعة النقدية قوة هائلة في الولايات المتحدة على سبيل المثال، ونذكر مثلاً الناقدة الراحلة (بولين كايل) التي كانت تستطيع أن تشارك في نجاح فيلم أو تساعد على فشله، أما بقية الأنواع النقدية مثل سينما المؤلف، والنقد الجمالي والنقد الاجتماعي والتاريخي، فهو يتطلب مساحات كبيرة، ولهذا تخصص له مجلات ودراسات وكتب نقدية يمكن أن تقوم على تحليل فيلم واحد فقط، ناهيك عن النقد النوعي، أو النقد الميثولوجي، أو الايديولوجي، .. وهناك نوعيات أخرى من النقد تستعين بمناهج نقدية أخرى مثل النقد النفسي القائم على أفكار (فرويد)، و(لاكان) والنقد التفكيكي القائم على أفكار (دريدا)، وأفكار (ميشيل فوكو)، و(جيل ديلوز)، وهناك النقد النسوي الذي تقدم في الخارج تقدماً كبيراً، وهناك الاستعانة بالمناهج الانثربولوجية مثل الاستعانة بدراسات (كلود ليفى ستروس) فى تحليل الأنواع السينمائية، رغم انه كتبها للتركيز على الأسطورة القديمة، .. ولكن تم الاستعانة بها في تحليل الصورة السينمائية.كل هذه الأنواع يا صديقي لا تجد لها صدى في المجلات العربية، انك بالتأكيد لاحظت التقدم النقدي الهائل في النقد الأدبي، وذلك لأن كل الدول العربية تقريباً تفرد له مساحات، وتخصص له مجلات أدبية كثيرة، شهرية، وأسبوعية، بل إن دور النشر نفسها لا تخصص إلا جزء صغير من منشوراتها للكتب السينمائية، فدولة المغرب لم تنشر إلا كتاب (السرد الفيلمي) ورغم محاولاته الجريئة إلا أنه متواضعاً في النهاية، المشروع القومي للترجمة، لم ينشر إلا خمسة، أو ست كتب سينمائية، لا يوجد فيها إلا كتاب (أوليفر ستون)، وهو الكتاب الوحيد المميز، ولا يجب أن ننسى الضغوط الواقعة على السينما الغريبة القادمة إلى أوطاننا من مقص رقيب يقوم بتمزيق الفيلم، وتشويهه حتى فى القنوات الفضائية، وتشويه الترجمة؟ وكل هذه الأشكال لها أبعاد سياسية، لأن السينما وسيلة سهلة تصل لكل إنسان في العالم، ولهذا نسمع عن السينما النظيفة، ولا نسمع عن الشعر النظيف، نجد الروايات الأجنبية حتى لو كانت مليئة بالجنس، والعنف والسياسة، والتعرض للأديان تترجم كاملة، بينما يمزق الفيلم السينمائي، أو يمنع نهائياً، ولا يبقى إلا الفيلم الأميركى، ولا يبقى إلا النقد الصحفي القائم كما قال (سامى السلامونى) يوماً على فكرة (شيلنى، واشيلك)، لتجد أفلام رديئة تنهال عليها مقالات المديح، وكأنها تحف سينمائية من إخراج "فيلليني"، انك بالطبع تلاحظ العداء القائم بين السينمائيين، والنقاد لدينا، هذا العداء الذي لا يوجد في الدول الأوروبية التي تحتفي بالنقاد، وتنشر أعمالهم، وكتبهم في أرقى دور النشر.
لقد قام (أمير العمري) بنفس الدور الذي قام به (رؤوف توفيق) بتلخيص الفيلم مع مراجعته نقدياً، وعليك أن تقرأ مقالات الراحل (سامى السلامونى) عن الأفلام الأجنبية والتي كانت تنشر قديماً في نشرة نادى السينما لتجده أحياناً يضع في بداية المقال تتابع كامل لمشاهد الفيلم مثل:
1 ـ ليل ـ خارجي .. يدخل (جون) ... إلى آخره، .. ويبدأ فى المقال،  كل هؤلاء يعرفون أننا نقع تحت سيطرة السينما الأمريكية بالكامل، وانه لا سبيل لنا لمشاهدة الأفلام التي تعرض في مهرجان كان، وأين لنا أن نراها، وهى التي تعرض بعد سنة، أو سنتين من إنتاجها على القنوات الفضائية الأوروبية، بينما نحن لا نزال تحت رحمة أفلام الأكشن الأمريكى، وأصبح الفخر الآن في السينما المصرية أننا نعرض فيلماً مثل (السيد، والسيدة سميث) في نفس الوقت مع أميركا، يا له من إنجاز!.. وعلينا إذا أردنا أن نشاهد السينما الراقية أن نذهب إلى السفارات الأجنبية التي تعرض الأفلام بدون ترجمة مثل المركز الإيطالي، أو الفرنسي، أو الألماني، .. أو نذهب إلى مركز الإبداع لمشاهدة البرنامج المعد مسبقاً، وعليك أن تنسى الأفلام القديمة بالطبع، هل شاهد أحد فينا "المواطن كين" على شاشات التليفزيون؟ هل يعرض فيلم "روما مدينة مفتوحة"، أو "سارق الدراجات" في مركز الإبداع ؟ ولكن، لو نظرت لأي موقع فيديو، أو ديفيدى في أي دولة أوروبية ستجد أفلام العالم ـ القديم، والجديد، شرقاً، وغرباً، في متناول الجميع، لقد كنت محظوظاً يوماً، وشاهدت أفلام السعفة الذهبية في مهرجان كان، في مؤسسة الأهرام عندما أقامت مهرجان إستمر شهر لعرض هذه الأفلام، وتوقفت بعد ذلك! ولهذا يلعب "رؤوف توفيق"، وغيره دوراً إرشادياً ـ إرشاد المتفرج الغلبان مثلنا ـ لهذا المخرج، أو ذاك، هذا النوع من النقد لا تعثر عليه في الخارج، حاول أن تجد كتاباً سينمائيا يتناول فيلماً، ويحكى لك قصة الفيلم، لأنه يعرف أنك لابد أن تشاهد الفيلم، ولكن عندنا الوضع مقلوب، لهذا لا أجد "رؤوف توفيق" حارقاً، بل مشجعاً، أنا شخصياً لا أحب أسلوبه، ولكنه كان أول من عرفني على مخرج إيطالي بحجم "فرانشكو روزي"، .. وشجعني على البحث عن أفلام المخرج التركي الراحل "يلمظ جونيه" إنه محفز، ولكنه ليس ناقداً.
إن الأفلام لا تحرق، لأن كل مشاهد، وكل متفرج قد يلتقط من الفيلم ما لم يراه المخرج نفسه في عمله، وهناك من يشاهدون فيلماً بعد قراءة الرواية لمعرفة كيف تعامل كاتب السيناريو مع هذه الرواية، وهو ما حدث لى بعد قراءة أعمال "ماركيز" التي تحولت إلى أفلام.
 لو قدر لتاريخ النقد السينمائي المصري أن يكتب بحياد، وموضوعية بعد عشرين، أو ثلاثين سنة، قد لا يذكر سوى أسماء قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، بينما سوف يندرج الكثيرون تحت مظلة كتاب الصحافة الذين ضلوا الطريق إلى النقد السينمائي.
وإلى لقاء قريب إن شاء الله يا عزيزي Hippp

hippo
14-07-2005, 09:48 PM
أشكر الأخ اكستريم على تحليله الممتاز، وثقافته السينمائية العالية، ولا ادري لماذا يبخل علينا بمشاركاته القيمة فى منتدى المناقشات السينمائية .وقد بين الأخ اكستريم فى معرض حديثه أن هناك فرق بين ثلاثة أنواع من النقد السينمائي
الأول هو النقد، والتحليل الثاقب للفيلم، والآخر هو وضع مراجعة سينمائية للفيلم، والثالث هو مجرد سرد قصة الفيلم، وقد بين أن النوع الأول غير موجود في مصر نهائياً، ويقتصر على الدول الغربية، وأمريكا فقط، وقد دافع الأخ اكستريم عن "رؤوف توفيق" باعتباره كان نافذة على الأفلام الغربية التي لم يكن من المتاح لنا مشاهدتها في الماضي، وهو ما يبرر اكتفاءنا بقراءة قصة الفيلم عن طريق "رؤوف توفيق"، وان كان هذا الأمر مقبولاً بتحفظ في الماضي لوجود قيود على مشاهدة السينما (رغم أني لا أزال لا اقبل سرد قصة الفيلم بهذه الصورة من ناقد معروف) فهو أمر لم يعد موجوداً اليوم بعد أن أتيحت الفرصة للحصول على كل ما نريد من أفلام عن طريق النت، أو عن طريق الشراء دي في دي رغم أننا في الماضي كان بالإمكان مشاهدة بعض من هذه الأفلام عن طريق نوادي السينما التي كانت منتشرة في المدن الكبرى، كذلك المراكز الثقافية الأوروبية، بالإضافة إلى اضطلاع برنامج نادي السينما التلفزيوني بتقديم عدد لا بأس به من الأفلام الجيدة ...وبالنسبة للأفلام التي ذكرها الأخ اكستريم، فالمواطن كين قد عرض في التلفزيون المصري، أما الأفلام الأخرى مثل "سارق الدراجة" و"روما مدينة مفتوحة" رغم أني اعتقد اعتقاد غير مؤكد أن الأخير عرض في التلفزيون المصري، إلا أن الفرصة أتيحت اليوم للحصول على هذه الأفلام، وبترجمات انجليزية، حيث يمكننا مشاهدتها، وتقييمها، ونحمد الله أن مازال بالعمر بقية ...النهاية انه حتى هذه اللحظة، فإن نقاد السينما العرب هم أشباه نقاد باستثناءات نادرة مثل الناقد الأردني محمود الزواوي صاحب القلم الرشيق، وأنا لا اعرف شيئاً عن "أمير العمري" الذي ذكره الأخ اكستريم .وبالمناسبة، فأنا عندي مجموعات كبيرة من الأفلام الهامة لكبار المخرجين مثل فيلليني، وانجمار بيرجمان، واكيرا كيروساوا، وغيرهم، أتمنى أن تتاح الفرصة لإهدائها لعشاق التميز، وأولهم الأخ اكستريم.
اكستريم
15-07-2005, 02:00 AM
 هذا ليس دفاعاً عن "رؤوف توفيق"، ولكن النقد السينمائي يقوم على تحليل الصورة
يجب أن تشاهد الفيلم أولاً حتى يتسنى لنا أن نقرأ النقد المكتوب عنه، ولكن ماذا يفعل المشاهد الذي لم يشاهد فيلم "تحت الأرض" ـ على سبيل المثال ـ ولكن سمع أنه فاز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان!، على رأى المثل "نص العمى، ولا العمى كله"، إنى أندهش كثيراً لتأخير العناصر البصرية في المقالات النقدية العربية إلى نهاية المقال، فهذا هو الجنون بعينه، لأن السينما صورة، وليست قصة، أو حكاية خرافية نسلي بها أنفسنا، إن الذي يؤثر فينا حقاً هو الصورة، وشريط الصوت، فقصص الأفلام الأمريكية غالباً ما تكون مكررة، وتتبع نفس النموذج السردي الذي وضعه أشخاص من أمثال "سيد فيلد"، و"كريستوفر فوجلير)(Christopher Vogler)، وقد لخص ـ وأؤكد على كلمة لخص، بل وسفه من أفكار المصدر الأصلي ـ الأول البناء السردي عند (أرسطو) والثاني لخص البناء الاسطوري عند (جوزيف كامبيل) في مجموعة نقاط على الكاتب أن يطبقها، ولهذا أصبح من السهل الجمع بين المنهجين في كتب السيناريو التعليمية.
إن الذي يثيرك، ويدهشك هو الصورة البصرية التي تصاغ بعناية للتأثير عليك، إنك قد تتعاطف مع بطلة الفيلم، أو بطله ضد الخصم لمجرد شكل بصري، وهو ما حدث في المثال الذي يحضرني حالياً، في فيلم (انتقام) (Revenge) لـ(تونى سكوت)، إنك ترى الشاب الوسيم ـ أيامها ـ (كيفين كوستنر) وهو يدخل على الثرى (انطونى كوين) العجوز لتشاهد الأخير وهو يعامل الكلب بقسوة عنيفة بينما يدافع (كوستنر) عن الكلب، ورغم ان الزوجة (مادين ستو) لم يجبرها أحد على الزواج من العجوز الثرى إلا أنها تنساق في علاقة خيانة مع (كيفين كوستنر) لمجرد انه شاب، وإنسان بعكس زوجها، وشاهد صورة الهندي الأحمر ـ سكان أميركا الأصليين ـ فى أفلام (جون وين)، أو جنود (كوريا)، و(فيتنام) في السينما الأمريكية القديمة.. أو لنعد إلى تاريخ السينما الأمريكية نفسه مع فيلم (ميلاد امة) الذي قدم عصابات إرهابية عنصرية، وهى عصابات (كلو كلاس كلان) بصورة الأبطال بينما الزنوج ـ الذين بنوا الحضارة الأمريكية الصناعية على أكتافهم ـ هم الأشرار مفسدي القيم، والمبادئ الأمريكية، ودعك من صورة العرب، والصينيين، والروس وغيرهم من العرقيات، هل شاهدت أفلام (رامبو) لتجد هذا العداء في الصورة.
الصورة هي التي تنطبع في الذاكرة، لقد ذكر (هيكل) في كتابه الرائع (الإمبراطورية الأمريكية، والإغارة على العراق) حدثاً يلخص كل هذا عندما كان في إيران أيام الثورة الإسلامية، وسارع فريق تلفزيوني أميركي إلى تقديم بأنفسهم أعلام أمريكية للشعب الثائر كي يحرقها، وهكذا تظهر الصورة، وكأن هذا الشعب يريد حرق أميركا نفسها، هل هناك تلفيق أكثر من هذا، ودعك من فيلم (الأحد الأسود) المقتبس عن كاتب روايات (هانبيال)، و(صمت الحملان)، توماس هاريس ـ الذي تفنن في تشويه صورة الشعب الفلسطيني، وكذلك في فيلم (أكاذيب حقيقية) لـ(جيمس كاميرون)، أو فيلم (طائرة الرئيس) والتي تبرر خطف الأمريكان للروس، بينما تجرم نفس الفعل عندما يقوم به الآخرين، بل انك تشاهد تقليد السياسة للسينما الآن، .. أو الأكاذيب التي نشرها (سبيلبرج) فى فيلمه الاشهر (قائمة شندلر)، دعك من الفتاة الصغيرة التي ترتدي ثوب احمر وسط ذئاب النازية، ولكن ركز على الصورة الأخيرة عندما يسأل اليهود إلى أين يذهبون، فيقال لهم إلى الشرق، لتجد اليهود ينزحون إلى فلسطين، وهى خاوية تماماً تطبيقاً لمقولة (هرتزل) أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
انك قد تعرف عن الحياة الاجتماعية الأمريكية أكثر مما تعرف عن الحياة في الدول العربية، وذلك لأن الدول العربية ليس لديها إلا الكلام، وليس لديها الصورة .. قد تنبهر بهذه الصور التي تراها في السينما الأمريكية، وتفضل الحياة التي يحياها الأمريكان عن الحياة في أي بلد آخر، وقد استطاعت الصورة البصرية الأمريكية ان تساهم ـ جزئياً بشكل طفيف وليس كما يبالغ البعض ـ في انهيار الاتحاد السوفييتي، وان تدفع الملايين للهجرة إلى "أرض الفرص، والأحلام"، وراجع بداية فيلم (أسرار لوس انجلوس) هذه هي الصورة التي قدمتها السينما الأمريكية، صورة، وليس كلام. ويجب أن نعترف أن ثقافتنا سمعية أكثر منها بصرية، كم واحد منا يذهب إلى معارض الفن التشكيلي، .. ناهيك عن تحريم الصورة نفسها، يجب أن نعرف أن الصورة هي الأساس في السينما، وتحليل الصورة هو المحور الأساسي في النقد، .. أي تركيب السرد الدرامي، والتكوين الفيلمي.
إن هذا هو المأزق الذي يقع فيه النقاد السينمائيين العرب. ومن هذا المأزق يولد المأزق الأكبر، وهو كيف يكلمون الناس عن السينما؟!..لو ظل يكتب نقده المعتاد عن الأفلام المصرية فلن يضيف جديداً، وأنت أدرى بأن نفس العيوب الدرامية والسينمائية تتكرر في السينما المصرية بشكل يومي، ومن خلال قراءة سريعة لمقالات (سامي السلاموني) عن السينما المصرية، والتي نشرت في "الهيئة العامة لقصور الثقافة" ستجد انه نفس الكلام، يعاد، ويعاد، ويعاد، .. بلا إضافة حقيقية للفن السينمائي .. ليفرغ إذاً الناقد طاقته، وأفكاره في الأفلام الأجنبية، ولكن المشاهد لم يشاهد هذه الأفلام، عليه إذاً أن يروي قصة الفيلم، والمساحة المتاحة له لا تكفى سوى أن يذكر كلمتين عن عظمة الفيلم . الحل الثاني، هو أن يأخذ المصطلحات الأجنبية، ويطبقها على السينما المصرية بما أن الجميع قد شاهدوا هذه الأفلام، ومن هنا ظهرت مصطلحات الواقعية، والواقعية الجديدة، بلا تحديد، أو شرح كافي
. لنأخذ على سبيل المثال مصطلح "الواقعية الجديدة" الذي انتشر في مصر، وعن السينما المصرية على يد نقاد مثل "سمير فريد" و"على أبو شادي"، وقد ساهم الأول ـ "سمير فريد" ـ فى نشر واقعية بلا ضفاف مستعيناً بمقالات الكاتب الفرنسي "روجيه جارودي" الذى طور مفاهيم "لوكاتش" عن الواقعية، الغريب في الأمر أن الكثيرون ساروا وراء هذه المصطلحات بدون أن يدرسها أحد، ولو قام احد بدراستها سوف يدهش من فداحة القراءة الخاطئة لهذه المصطلحات، وعدم مطابقتها لواقع السينما المصرية، ولكن ثقافة الناقد الغريبة تفرض عليه أن يبحث في السينما المصرية ـ كمن يبحث عن إبرة في كوم قش ـ عن أي شبيه لثقافة، أو لأفلام شاهدها في الخارج ـ وهو ما حدث من قبل في الثقافة المصرية، والعربية عندما بدأت الفلسفات الغربية، والاتجاهات الأدبية ترد على أوطاننا فقام كل باحث بالبحث في التراث كي يعثر على شبيه له في الثقافة الغربية.
وتأتى المصيبة عند الكتابة عن أفلام لم يشاهدها الجمهور المصري إطلاقاً مثل بعض الأفلام التي ذكرها "رؤوف توفيق" كفيلم "ارنديرا" ل"روى جويرا" المقتبس عن قصتين قصيرتين لـ"ماركيز ."لن تتخيل مدى الجهل لمشاهدة هذا الفيلم في أحد المراكز الثقافية، .. كيف في هذه الحالة يكتب؟! هل يكتب عن الواقعية السحرية، وأثرها على سينما أميركا اللاتينية؟ عليه إذاً أن يقدم مصطلحاته، ويستعين بدراسات أخرى، وأفلام أخرى لم يشاهدها أحداً سواه، هل يكتب من خلال منهج نقدي؟! هذا شئ شبه مستحيل .. لأن المنهج النقدي سوف يفرض عليه طريقة في الكتابة لن تجعل القارئ يعرف شيئاً سوى أن الناقد قد شاهد الفيلم (!!!!!!)، ويُكتب على القارئ المسكين أن يجمع قصاصات، ونتف من قصة الفيلم حتى يفهم عما يدور، وماذا يريد أن يقول هذا الناقد ؟ ألم اقل لك نص العمى، ولا العمى كله.
يجب أن يشاهد القارئ الفيلم أولاً، وهذا هو المأزق الذي يتعرض له "رؤوف توفيق"، وغيره .. عندما تكون الأفلام متاحة يشاهدها كل الناس، .. تصبح الحياة النقدية أكثر سهولة، كلامي هذا ينطبق على السينما الغريبة، فالسينما المصرية لها قوانين أخرى تحكمها من الناحية النقدية.إن قوانين سوق الطباعة، والنشر تفرض قيوداً مروعة على النقد السينمائي، من هنا تأتى مشكلة "رؤوف توفيق"، وغيره، ومن هنا تأتى أهمية المساحة التي يفردها لنا منتدى المناقشات السينمائية لتوسيع حركة الاهتمام بالأفلام العالمية الهامة، علينا أن نقدم مع كل ترجمة شرحاً نقدياً للفيلم، هناك أفلام رائعة فى منتدى الترجمات لم تنل أي رعاية على الإطلاق، مثل فيلم (وداعاً لينين)، أو فيلم (مذكرات موتوسيكل) وهى أفلام هامة، ولكن مترجميها اكتفوا فقط بترجمة الفيلم، وهو مجهود لابد بالطبع أن يشكروا عليه، .. واكتفى المشاهدون بالمشاهدة، وهى مشاهدة سلبية تماماً، لأنها تقتصر على تنزيل الترجمة ،ومشاهدة الفيلم، وخلاص، ولكن المنتظر أن تنتشر المقالات النقدية عن الأفلام الأجنبية، طبعاً أنا لا أتوقع هذا من النقاد الكبار لأنهم في النهاية يريدون أن "يأكلوا عيش"، ولن يكتبوا مجاناً، عليهم إذاً إتباع أسلوب "رؤوف توفيق"، والكتابات التي سوف تنشر هنا سوف تكو كتابات هواة، ولكنها سوف تساهم أكثر في نشر الثقافة السينمائية. إن الأزمة أكبر مما تتخيل يا صديقي، وهى ليست أزمة سينما، وثقافة نقدية ،ولكنها أزمة ثقافة في مجتمع بالكامل، كنت أود أن تكون معي لتشاهد رد فعل الناس عند مشاهدة فيلم (البطل) لـ(زينج يامو)، سخرية وأفيهات، وتهريج، ولا مبالاة بكل هذا الجمال الذي يعرض أمامنا .. النقطة الثانية، هي تسهيل عملية تبادل الأفلام، يجب أن تدرس مسألة تسهيل عملية تبادل الأفلام. أنا أقوم الأن بمحاولات للتبادل، وإن كنت أشعر أنها لن يكتب لها النجاح، والحق أقول لك يا صديقي أنني صدمت من حال تبادل الأفلام، ولكن ادينا بنحاول، مرسى جداً على العرض، ليتني كنت من سكان المنصورة لنتبادل الأفلام، ونتحدث سوياً عنها .. وإلى لقاء قريب إن شاء الله.
meramax
21-07-2005, 09:38 AM
 مازلت تمتعنا يا اكستريم بكتاباتك المنمقة
الأخ "هيبو" يعيد فتح ملف "رؤوف توفيق" الذى تحدثنا فيه من قبل، أنا معك أن للأستاذ "رؤوف توفيق" دور كبير في نشر، وتوعيه الجمهور العادي بأفلام لم يكن يسمع عنها من قبل (علمنى أنا على الأقل )ولكن كما قلت من قبل النوايا الطيبة لا تغفر سوء التناول كان بالأحرى للأستاذ "رؤوف" أن يحلل الفيلم، وجميع عناصره، لا أن يحكى القصة فقط ثم يترك انطباعه فى النهاية .ولكن أنا أرى أن تلك الطريقة أصبحت بمثابة مدرسه متبعة لجميع النقاد المصريين، أو العرب عموماً أختلف معك في أن سرد نهاية الفيلم لا يضر بالفيلم، لان الفيلم من أهم عناصره هو الحبكة الدرامية والتصاعد الدرامي
 فأنت في أفلام كثيرة إذا علمت نهاية الفيلم لن تستطيع مشاهدته، اذكر هنا الناقد الكبير "رفيق الصبان"، و مقالاته النقدية التي يبعثرها في بعض الجرائد ،لم اقرأ أي مقالة له إلا ويدفعني إلى عدم مشاهده الفيلم بعد ذلك، فهو وان لم يسرد القصة كاملة، وذكر فقط النقاط الأساسية إلا أن له هواية سرد نهاية الفيلم كاملة ثم يكمل المقال بالتغني في جمال النهاية، وحلاوة النهاية، ويا سلام على النهاية (راجع على سبيل المثال مقاله عن فيلم القرية ل "شاميلان" فى جريدة القاهرة).
وهناك مدرسه أخرى في النقد السينمائي على رأسها "طارق الشناوي" تعتمد على التحدث عن تاريخ بطل الفيلم، أو مخرجه أيهما أكثر شهرة، ثم في عجالة عندما يستيقظ الناقد في نهاية المقال، ويتذكر الفيلم أساس الموضوع يقول أن الفيلم أفضل من فيلم كذا، أو أسوأ من فيلم كذا للبطل، أو المخرج.
واقع مؤسف ........ولكنه نتاج طبيعي كيف يكون هناك نقد في وقت ليس فيه سينما أساساً

meramax
21-07-2005, 09:54 AM
بالنسبة لإشكالية الصورة، وتسويق الحلم الأمريكي، اعتقد أن هوليود تحمل على كاهلها الهم الأكبر لأني اعتقد أنها هي من مدت جسور الهيمنة الأمريكية، وليست الآلة العسكرية فقط، فقد برع الأمريكيون في قلب الحقائق بصورة بشعة، وتسويق الأفكار الأمريكية التي تشبه الأكل الأمريكي جميل الشكل فارغ المضمون، فأنت تجد كليشيهات ثابتة عن العالم الخارجي استطاعت هوليوود أن تقنع به المشاهد الأمريكي فأمريكا اللاتينية عبارة عن مزارع مخدرات، ومواطنيها حاملي سلاح، ومروجي مخدرات، والايطالي هو عضو في المافيا، والمكسيكي يستعمل المسدس قبل استعمال لسانه، والألماني مجنون يريد احتلال العالم، والروسي يريد تدمير أمريكا، أما العربي، فهو إما إرهابي يشرب الدماء، أو ثري ينفق على العاهرات، والمراهنات، والقمار، أو الشيخ الذي يتزوج أكثر من 10 الغريب أن تلك الصورة هي التي يراها أي فرد في العالم ما دامت لا تمسه، فنحن نصدق ما يقال عن المكسيكي، والايطالي، والألماني، والياباني، والكوري، وهم أيضا يصدقون صورة العربي
إنها آلة ضخمة، تأكل الجميع، ولكننا نستطيع بكل سهولة محو تلك الصورة عن طريق الارتقاء بفننا، وتصديره إلى العالم. يجب أن يعرف العالم أننا لسنا شيوخ حريم، وإرهابيين، بل نحن عوكل، ولمبى، وبوحه...
osos007
23-07-2005, 01:36 AM
 إنت عندك الحق، بل كل الحق في ما قمت بكتابته يا هيبو
بس أحب أقول معلومة، معظم الأفلام التي تم نقدها هي أفلام لم تعرض في مصر مثل فيلم بينو، وعيش المجانين.
فاني لا أحب النقد الراوي، ولا سينما الراوي، لكن "رؤوف توفيق" له الحق كل الحق في سرد الفيلم وأحب أن أفكرك بمقدمة كتاب "سينما المشاعر الجميلة" التي قال فيها "رؤوف توفيق"
هل تصلح أحداث الحياة الطبيعية أن تكون مادة سينمائية
اعتقد أن أجمل واقع الأفلام هي الأفلام التي تمسك، وتمسني، وتقترب من حياة كل شخص فينا
وأنا عندي رأي في نقد "رؤوف توفيق" أنه يجعلك تتذوق السينما بالمعلقة، وتعرف ابعد، ولغة سينمائية مختلفة.
عكس كتابات "سمير فريد" التي تدخل في عمق الموضوع الفني علي اعتبار أن كل القراء عندهم خلفية سينمائية جيدة
أو رؤي تحليلية عميقة مثل كتاب "السينما الواقعية"
وأنا بشكرك علي موضوعك الجميل يا هيبو، بتمنى أن تكتب شوية عن أفلام عبقري اسمه "يوسف شاهين" لأن يستحق كل الاحترام